هارييت توبمان.. أول امرأة تقود هجوما مسلحا لتحرير العبيد
تعد الأمريكية من أصول إفريقية هارييت توبمان، من أوائل النساء اللاتي خاطرن بحياتهن من أجل إلغاء الرق والعبودية في القرن الـ19، لتحظى تلك الناشطة الراحلة بشعبية كبرى سواء على مدار سنوات كفاحها أو بعد مماتها، لتتكلل الآن مع وضع صورتها على ورقة الـ20 دولارا، فكيف كانت رحلة حياتها المحفوفة بالمخاطر والمتوجة بالإنجازات أيضا؟
نشأة هارييت توبمان
ولدت الأمريكية من أصول إفريقية، هارييت توبمان في بداية عشرينيات القرن الـ19، في ولاية ماريلاند الأمريكية، حيث نشأت وسط 8 أشقاء وأب وأم عانوا جميعا من العبودية، لتتذوق هارييت ويلات الرق منذ سنوات الطفولة المبكرة.
عانت هارييت من العنف الجسدي مرارا وتكرارا على مدار سنوات العبودية في صغرها، حيث تعرضت للجلد والاعتداء من قبل مالكيها لأتفه الأسباب، فيما استلهمت شجاعتها من والدتها التي كانت تسعى دوما إلى عدم تفرقة أطفالها عن بعضهم البعض بشتى الطرق، حتى وإن تعرضت للعقاب.
تزوجت هارييت في سنة 1844 من رجل حر رغم معاناتها من العبودية، حيث كان الأمر شائعا في هذا التوقيت أن يتزوج الأحرار من العبيد، فيما بدأت هارييت في مقاومة الرق عقب نجاحها في الإفلات منه بأعجوبة في السنوات التالية.
تحرير العبيد
نجحت هارييت في سنة 1849 من الإفلات من عالم العبودية الشاق، عبر الهروب من خلال السكك الحديدية أسفل الأرض، حيث تركت ماريلاند لفترة قصيرة، قبل أن تستجمع قواها وتقرر أن تعود مرة أخرى لمساعدة العبيد الآخرين على تذوق طعم الحرية مثلها.
ما بين أعوام 1850 و1860 قامت هارييت بنحو 19 رحلة من الولايات الشمالية إلى الولايات الجنوبية والعكس، عبر السكك الحديدية المخبأة أسفل الأرض، لتنجح في إرشاد أكثر من 300 شخص عانوا من العبودية على التحرر من الأسر، ومن بين هؤلاء والداها وكذلك أشقاؤها دون شك.
في عام 1859، تعرفت هارييت للمرة الأولى على أحد أبرز النشطاء في مجال إلغاء العبودية، وهو جون براون، والذي دعمها في مهامها الجليلة، فيما عملت لبعض الوقت كممرضة لصالح قوات الاتحاد، قبل أن تحظى هارييت بشرف قيادة هجوم مسلح خلال الحرب الأهلية من أجل تحرير العبيد، لتعد أول سيدة تقوم بهذا العمل الشجاع وغير المعتاد، والذي نتج عنه تحرير ما يزيد عن 700 شخص من ولاية كارولينا الجنوبية.
إسهامات أخرى
لم تكتف هارييت توبمان بإسهاماتها الجليلة في تحرير العبيد وإلغاء العبودية في وطنها، بل كافحت أيضا على صعيد حقوق المرأة حين دافعت عن حقها الأصيل في التصويت، علما بأنها أبدت اهتماما كبيرا برعاية المسنين والمحتاجين.
حظيت هارييت بمرور الوقت بمكانة كبرى في مجتمعها، فيما قابلت ذلك ببذل المزيد من المجهودات كما قامت بشراء قطعة أرض خصصتها لأفراد عائلتها، أملا في حمايتهم، قبل أن تتبرع بجزء كبير من هذه الأرض للكنيسة، من أجل المساعدة في بناء مقر إقامة للكثير من كبار السن من أبناء وطنها.
لم تتوقف هارييت يوما عن كفاحها المضني الذي أثار دهشة وإعجاب المحيطين بها، حيث بذلت كل الجهود رغم معاناتها من بعض الأزمات الصحية التي نتجت عن فترات التعذيب في الصغر، لتبقى مثالا للجلد والصلابة لكل من عرفها، قبل أن ترحل عن عالمنا وسط أفراد أسرتها وهي امرأة تسعينية في عام 1913 جراء الإصابة بالالتهاب الرئوي.
تكريم هارييت توبمان
بالطبع حظيت هارييت بعدد من التكريمات التي استحقتها بعد مماتها، حيث ذكرت في التاريخ الأمريكي باعتبارها واحدة من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان قبيل الحرب الأهلية وبعدها، فيما تحولت منازلها إلى متاحف تحمل لقبها، وسميت المدارس كذلك باسمها اللامع.
كذلك أعلن مؤخرا عن وضع صورة هارييت على ورقة الـ20 دولارا، لتحمل محل أندرو جاكسون، وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق والذي شغل منصبه بينما كانت هارييت في عمر الطفولة، لتصبح أول سيدة من أصول إفريقية تطبع صورها على العملة، كما أنها أول شخصية تنال هذا التكريم رغم عدم شغلها لأي منصب مرموق أو حكومي.
في الختام، تعتبر هارييت توبمان خير مثال على الكفاح ليس فقط من أجل نيل حريتها الخاصة، بل كذلك لتحرير المئات من العبيد، وتنوير عقول آلاف وربما الملايين من البشر، لتبقى خالدة في تاريخ العالم رغم رحيلها منذ أكثر من قرن كامل من الزمان.