ما هي حمى البحر الأبيض المتوسط؟
- تاريخ النشر: الأربعاء، 18 نوفمبر 2020
تعتبر حمى البحر الأبيض المتوسط أو - اختصارًا- حمى البحر المتوسط متلازمة مناعية ذاتية وراثية، تبدأ أعراضها النّوبية بالظهور في مرحلة الطفولة غالبًا. تعالوا نستعرض سوية مفردات هذا التعريف ونحللها كي نفهمها بشكل أوضح:
- متلازمة: جاءت كلمة متلازمة من تلازم مجموعة أعراض بالظهور سوية. في حمى البحر المتوسط تظهر الأعراض التالية:
- حُمَّى (ارتفاع في الحرارة) تتجاوز 38 درجة مئوية.
- ألم في البطن، ناجم عن التهاب الصفاق البطني (البريتوان).
- ألم في الصدر، ناجم عن التهاب غشاء الجنب المحيط بالرئة.
- ألم في المفاصل، ناجم عن التهاب الأغشية المفصلية.
- مضض (ألم بالجَسّ) في الخصيتين أو كيس الصفن.
هل لاحظتم أن معظم الأعراض ناجمة عن حدوث التهاب في الأغشية المحيطة أو المبطنة للأعضاء؟ نعم، ولهذا يسمى هذا المرض أيضًا بحمى التهاب المصليات (الأغشية المصلية)، سنشرح السبب وراء هذا الالتهاب في النقطة التالية، ولكن قبل ذلك يجدر بنا أن نذكر بأن الأعراض المذكورة آنفًا قد لا تظهر كلها معًا بالضرورة، فقد يظهر بعضها في نوبة، ليظهر غيره في نوبة أخرى.
- نوبية: أي تتكرر الأعراض فيها على شكل نوبات، في هذه المتلازمة يفصل النوبة عن الأخرى فترة تتراوح بين 3 – 8 أسابيع، وتستمر أعراض النوبة الواحدة من يوم إلى 4 أيام، كما تختلف النوبة في شدتها من مرة إلى أخرى. تشمل العوامل التي تطلق نوبة جديدة الإنتان (التهاب جرثومي أو فيروسي)، الرضوض، المجهود الشاق، الدورة الشهرية، والشدة النفسية.
- مناعية ذاتية: تحدث الأمراض المناعية الذاتية نتيجة لخطأ في البرمجة المناعية لجسمنا، مما يقود كريات الدم البيضاء إلى مهاجمة أجزاء معينة من الجسم، يقود هذا الهجوم إلى التهاب الجزء المصاب، وقد يؤدي هذا الالتهاب إلى عواقب مزمنة على المدى الطويل إذا تُرك المصاب دون علاج.
- وراثية: يعني أن المرض ينتقل عبر الجينات من الوالدين إلى الأبناء. نستنتج من هنا سبب تسمية هذا المرض نسبة إلى البحر المتوسط، فالجينة المصابة موجودة لدى سكان هذه المنطقة الجغرافية، وتنتقل فيما بينهم بالوراثة، فيظهر المرض بكثافة أكبر في محيط انتشار هذا الخلل الجيني. لا بد أن نعرف بأن الانتقال الوراثي هنا يكون من النمط المتنحي، أي لا يظهر المرض لدى المصاب إلا إذا امتلك جينتين معيبتين (واحدة من الأب وواحدة من الأم)، هذا ما يحدث في جميع الأمراض التي تورث بشكل متنحٍ تقريبًا. وحتى أقرّب الفكرة أكثر إليكِ عزيزتي القارئة تخيلي معي أن شخصًا يمتلك عودين من الثقاب (يمثل كل عود منهما جينة من أحد الوالدين)؛
- فإذا كان كلاهما سليمًا: يعني أن الشخص معافى.
- إذا كان أحدهما محروقًا: يعني أن الشخص حامل للمرض، دون أن تظهر عليه الأعراض.
- إذا كان كلاهما محروقين: يعني أن الشخص مصاب بالمرض.
وبالتالي ندرك من هذا حقيقتين مهمتين؛
- أولاً، أن إصابة أحد الوالدين لا يعني بالضرورة إصابة الطفل.
- ثانيًا، عدم ظهور المرض لدى الوالدين لا يعني أن الطفل في مأمن من الإصابة، فقد يكون كلا الوالدين حاملًا للمرض (لديه عود ثقاب محروق) وينقله للطفل، فينتهي الأمر به لحمل جينتين معيبتين.
وهذا هو السبب الرئيس الذي يدفعنا للتحذير من زواج الأقارب، من أجل تفادي إصابة الأطفال بأمراض وراثية.
ما هو العلاج؟ وهل هو ضروري؟
إن ترك حمى البحر المتوسط دون علاج قد يقود إلى الداء النشواني، والذي يحدث بسبب تراكم مادة معينة ضارة في الكليتين والخصيتين وينجم عن ذلك قصور كلوي ونقص في الخصوبة.
بالمقابل، يعد دواء الكولشيسين العلاج الأفضل لمتلازمة البحر المتوسط، وهو علاج ملطف، يعمل على تخفيف شدة الأعراض، وإنقاص تواتر النوبات، والحماية من عواقب المرض على المدى البعيد. للأسف، لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ يجتث المرض كليًا، فكما عرفنا يكون الخلل هنا على المستوى الجيني، أي أن شفاء المرض يتطلب تعديل جينات المصاب، وهي مرحلة لم يتوصل الطب لحلها بعد، لكن الأبحاث الطبية قائمة، ولعلنا نجد علاجًا في المستقبل. عند ثبوت الإصابة بحمى البحر المتوسط فإننا ننصح بتناول الكولشيسين مدى الحياة، المطمئن في الأمر أن هذا الدواء لا يملك مضاعفات خطيرة، وتنحصر آثاره الجانبية في بعض الأعراض الهضمية. كما أن تناوله لا يؤثر على الخصوبة كما ورد في الدراسة العلمية التالية [1].
بالمختصر.. ماذا عليك أن تعرف فيما يتعلق بحمى البحر المتوسط؟
- تجنب زواج الأقارب، وقاية لأبنائك وأحفادك من أية أمراض وراثية.
- إذا كنت مصابًا فتأكد من تناولك للدواء على الدوام، وقاية من المضاعفات بعيدة الأمد.
- تجنب المجهود الجسدي المرهق، وإذا كنت مدخنًا أقلع عن التدخين، فهو يؤثر على الكليتين والخصوبة سلبًا أيضًا.
- حاول الابتعاد عن الضغوط النفسية قدر المستطاع، فصحتك في المقام الأول.
- إذا كان ابنك مصابًا، فحاول تجنيبه المجهود الجسدي المفرط، واستشر الطبيب مباشرة في حال إصابته بأي إنتان (التهاب اللوز أو القصبات مثلًا) تفاديًا لإطلاق نوبة من الحمى المتوسطية.
- اشرح لابنك عن مرضه ببساطة، أخبره أن الكثيرين غيره مصابون، وأنه ليس وحيدًا، لا تشعره بأنه غريب، ولا تخض في التفاصيل المفرطة التي قد تولد له القلق، لكن دعه يعرف ما يكفي ليكون واعيًا بذاته ويمتلك الثقة بنفسه للتعايش مع حالته.
- تناولي مسكنات الألم إذا كنتِ ممن تعانين من آلام الدورة الشهرية، فالشدة الناجمة عن آلام الدورة قد تطلق نوبة من الحمى المتوسطية.
- وأخيرًا، اقرئي عن هذا المرض واعرفي أكثر عنه، كما تفعلين للتو أيتها القارئة الحذقة.
دمتم بصحة وعافية
د.عبادة الحمدان
خريج كلية الطب البشري في جامعة دمشق
جراح في مستشفى LDW – ألمانيا