منذ بداية جائحة كوفيد-19، شكلت لقاحات كورونا أداة أساسية لمكافحة الفيروس والحد من انتشاره. ومع النجاح الكبير الذي حققته اللقاحات في الوقاية من العدوى وتقليل الأعراض الشديدة والوفيات، ظهرت بعض المخاوف حول التأثيرات الجانبية المحتملة لهذه اللقاحات. واحدة من القضايا التي أثارت الكثير من النقاش هي العلاقة بين لقاحات كورونا وحوادث “التجلط الدموي” وأثر اللقاحات على “صحة القلب” عموما.
ما هو التجلط الدموي؟
التجلط الدموي بالتعريف هو عملية تتجمع فيها الصفائح الدموية لتكوين خثرات في الأوعية الدموية، مما قد يؤدي إلى انسداد هذه الأوعية ومنع تدفق الدم، وبالتالي عدم وصول الدم الى الأعضاء الحيوية النبيلة مثل الدماغ والقلب. مما يؤدي لمضاعفات خطيرة مثل “السكتات الدماغية” أو “الجلطات القلبية”. لذا، أصبح من الضروري تحليل مدى تأثير اللقاحات على هذه الحالات وتوضيح إذا ما كان اللقاح هو السبب الفعلي وراء التجلط الدموي، أم أن الأسباب الأخرى تلعب دورًا أكبر في هذا الشأن.
1. اللقاحات والتجلط الدموي: هل هناك ارتباط؟
منذ إطلاق اللقاحات في عام 2020، بدأ عدد من الدراسات والبحوث في تسليط الضوء على تقارير حول وجود حالات نادرة من التجلط الدموي لدى بعض الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، خصوصًا مع اللقاحات المعتمدة على تقنية الmRNA أو الحمض النووي الريبي. وأشيع هذه اللقاحات هي لقاحات “أسترازينيكا_فايزر_موديرنا_جونسون&جونسون” وعلى الرغم من ندرة هذه الحوادث، إلا ان لقاحات الحمض النووي الريبي (mRNA) لكوفيد-19 قد تزيد من خطر الإصابة ببعض أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك التهاب عضلة القلب والتهاب التامور. وقد لوحظت أعلى نسبة حدوث لهذه الأحداث لدى الذكور الشباب خلال أسبوعين من التطعيم، وخاصة بعد الجرعة الثانية. تشير التقارير إلى أن معدل الإصابة يبلغ حوالي 1 لكل 100.000 إلى 250.000 من متلقي اللقاح، على الرغم من أن الأرقام تبدو متباينة. إلا ان هذه الحالة تترافق بنقص الصفيحات الشديد والتخثر الذي يحدث بعد خمسة إلى 30 يومًا من إعطاء اللقاح.
على الجانب الآخر, أفادت التجارب السريرية التي أجرتها شركتا “فايزر وموديرنا” عن انخفاض معدل الإصابة باحتشاء عضلة القلب (MI) بين الأفراد الذين تم تطعيمهم. ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في الدراسات السكانية حول أحداث MI الحادة بعد التطعيم. مع انتشار هذه التقارير، شكلت “الوكالة الأوروبية للأدوية_EMA “ومنظمة الصحة العالمية WHO” لجانًا لمراجعة الأدلة العلمية، وأكدت أن هذه الحالات نادرة جدًا، وتقتصر على نسبة ضئيلة من الأشخاص الذين تم تطعيمهم. علاوة على ذلك، أشارت الدراسات إلى أن “معدل الإصابة بالتجلط الدموي” بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح كان أقل بكثير مقارنة بالأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس نفسه.
2. الآلية المحتملة للتجلط الدموي بعد اللقاح:
لقاح mRNA هو نوع من اللقاحات يستخدم نسخة من جزيء يسمى messenger RNA (mRNA) لإنتاج استجابة مناعية. يقوم اللقاح بإيصال جزيئات mRNA المشفر للمستضد الفيروسي إلى الخلايا، والتي تستخدم mRNA المصمم كمخطط لبناء بروتين يعامل كجسم غريب حيث يتم إنتاجه عادة بواسطة مسبب المرض (مثل الفيروس) أو بواسطة خلية سرطانية.
بعض الباحثين اقترحوا أن التجلط الدموي الناتج عن اللقاح قد يكون ناتجًا عن تفاعل في جهاز المناعة. عند تلقي اللقاح، خاصةً “لقاح أسترازينيكا”، يُعتقد أن الجهاز المناعي قد يتفاعل بشكل غير طبيعي مع بروتينات الفيروس المخلق داخل الجسم. هذه التفاعلات قد تؤدي إلى تكوين أجسام مضادة تقوم بتفعيل الصفائح الدموية بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى تكوين جلطات. هذه الآلية المناعية تفسر إصابة الشباب الأصغر سناً بالتجلط الدموي بعد ثاني جرعة، حيث إنه بهذه الحالة كلما كان الجهاز المناعي أقوى كانت مهاجمته للبروتين الذي يكونه اللقاح أكثر شدة.
آلية أخرى تدعم أن التجلط الدموي قد يكون ناتجاً عن تكوين أجسام مضادة ضد مجمعات PF4-polyanion كجزء من التفاعل الالتهابي والتحفيز المناعي. تسبب هذه الأجسام المضادة بعد ذلك تنشيطًا كبيرًا للصفائح الدموية؛ مما يؤدي إلى اعتلال التخثر. لكن الى الآن لا تزال الأبحاث قليلة عن الآلية الحقيقية التي تؤثر بها اللقاحات على احتمالية تجلط الدم.
3. حالات التجلط الدموي النادرة: هل هي مرتبطة باللقاح؟
في البداية، ربط البعض ظهور هذه الحالات النادرة من التجلط الدموي باللقاح بشكل مباشر. لكن مع مرور الوقت وتوافر بيانات أوسع، تبين أن هذه الحالات، رغم أنها نادرة، تحدث بنسبة أقل بكثير مقارنة بالتجلط الدموي الذي قد يحدث نتيجة للإصابة بفيروس كورونا نفسه. وأظهرت الدراسات ان معظم حالات التجلط التي تحدث يكون لدى حاملها عوامل خطورة لتجلط الدم منذ البداية.
_عوامل خطر التجلط عند أخذ لقاح كورونا:
1_ الالتهابات، سواء الموضعية أو الجهازية، والأمراض الالتهابية (مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، وأمراض الأمعاء الالتهابية).
-2_جنس الذكور والعمر الأصغر من 60 عامًا؛ بسبب فعالية الجهاز المناعي لديهم.
-3_السرطان، وارتفاع عدد خلايا الدم، والمتلازمة الكلوية النفروزية.
وفي دراسة نشرتها “مجلة لانسيت Lancet” في عام 2021، أوضحت أن الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا كانوا أكثر عرضة للإصابة بحالات التجلط الدموي بعشر مرات مقارنة بالأشخاص الذين تلقوا اللقاح. وعليه، فإنه من غير المعقول أن يُنسب التجلط الدموي إلى اللقاح كسبب رئيسي، حيث لا يزال الفيروس نفسه يشكل تهديدًا أكبر.
4. هل يسبب اللقاح التهاب عضلة القلب؟
التهاب عضلة القلب يحدث عندما تصاب طبقة النسيج العضلي للقلب بحالة التهابية؛ مما يؤدي لعدم انتظام ضربات القلب وتقليل قدرته على ضخ الدم للأعضاء بشكل طبيعي.
وجدت الأبحاث أن حدوث مضاعفات القلب والأوعية الدموية النادرة كانت أعلى بعد إعطاء بعض أنواع لقاحات كوفيد-19. على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن حدوث التهاب عضلة القلب والتهاب التامور ونقص الصفيحات الخثاري بعد إعطاء اللقاحات القائمة على الفيروسات الغدية أو الرنا المرسال مثل لقاح أسترازينيكا. ولكن الأهم من ذلك أن هذه الأبحاث لم تثبت إلى الآن أن اللقاح يتسبب بحدوث مشاكل قلبية جديدة لم تكن موجودة مسبقاً لدى المريض. وهذا يقدم المزيد من الطمأنينة بأن فوائد التطعيم تفوق المخاطر.
على الجانب الآخر، ترتفع معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بعد الإصابة بفيروس كوفيد-19، خاصة في الحالات الشديدة. قد يفسر هذا سبب انخفاض معدل الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية لدى الأشخاص الذين تم تطعيمهم مقارنة بالأشخاص غير المطعمين.
ومع ذلك، أكد معظم الخبراء أن التهاب عضلة القلب بعد اللقاح عادةً ما يكون خفيفًا، ويمكن علاجه بسهولة في المستشفى باستخدام الأدوية والعلاج الداعم. في كثير من الحالات، يتحسن المرضى بشكل كامل بعد فترة قصيرة من العلاج.
5. متلازمة تسرع القلب الانتصابي POTS:
وجدت الدراسات أن جميع المرضى الذين حصل لديهم متلازمة تسرع القلب الانتصابي كانوا يعانون بالفعل من حالات يمكن أن تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بـ POTS حتى بدون التطعيم، مثل الخفقان، وسرعة ضربات القلب، والمفاصل المفرطة الحركة، والربو، والذئبة الجهازية، والإغماء، والأمراض المزمنة.
تشير هذه النتائج إلى أنه من الواجب مراقبة المرضى الذين يعانون من مشكلات صحية أساسية قبل التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) لمراقبة حالات الإصابة بحالات ما بعد اللقاح.
ولكن، على الرغم من وجود ارتباط بين POTS والتطعيم ضد كوفيد-19، فقد وجدت دراسة سابقة لبيانات المرضى عبر نظام Cedars-Sinai الصحي أن المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بكوفيد-19 كانوا أكثر عرضة بخمس مرات للإصابة بهذه المتلازمة من إصابتهم بها بعد التطعيم.
عموماً، يستجيب المرضى عادة بشكل جيد للعلاج من هذه المتلازمة، لكن الإصابة التالية بكوفيد 19 كانت تودي بحياة لمرضى بسبب النكس الكبير قبل التعافي التام.
6. هل يؤثر لقاح كورونا على الجهاز العصبي للقلب؟
أوجدت بعض الدراسات أنّ لقاحات (كوفيد-19) قد تتسبب بخلل في الجهاز العصبي اللاإرادي (ANS)، ولكن لا تزال هذه الأبحاث غير مؤكدة. حيث إنه تم إثبات ارتباط لقاحات أخرى بالاعتلال العصبي اللاإرادي، بما في ذلك اللقاح المستعمل ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) والإنفلونزا A، وهي اعتلالات يمكن تفسيرها جزئيًا من خلال الاستجابة الالتهابية الجهازية.
فيما أظهرت دراسات أخرى أن الانخفاض في معدل ضربات القلب الملحوظ مع التطعيم ضد كوفيد-19 كان مؤقتًا، وأن تطعيم فايزر-بايونتيك (وهو لقاح معتمد على mRNA ضد كوفيد-19) لم يسبب خللًا في وظائف الجهاز العصبي الدائم.
7. المخاطر مقابل الفوائد: هل اللقاح آمن؟
من المهم أن نضع في اعتبارنا أن المخاطر المتعلقة بالتجلط الدموي أو مشاكل القلب بعد تلقي اللقاح تبقى نادرة جدًا.
“منظمة الصحة العالمية” و” إدارة الغذاء والدواء الأمريكية” أكدت أن فوائد اللقاح تفوق بكثير المخاطر المحتملة. ومن خلال دراسة مئات الملايين من جرعات اللقاح حول العالم، تبين أن الآثار الجانبية الأكثر شيوعًا هي أعراض خفيفة مثل:
_ الصداع
_ الألم في مكان الحقن
_ وارتفاع طفيف في درجة الحرارة
إضافةً إلى ذلك، يُعتبر أن تلقي اللقاح هو الخيار الأكثر أمانًا وفعالية للوقاية من كوفيد-19، خاصة بالنظر إلى التأثيرات الشديدة التي قد يتسبب بها الفيروس في الجسم، مثل:
_ التهاب الأوعية الدموية
_ السكتات الدماغية
_ مشاكل القلب المزمنة التي قد تستمر سنوات بعض الإصابة
8. متى يتوجب علينا الاتصال بالطبيب؟
رغم أن الآثار الجانبية الخطيرة نادرة جدًا، إلا أنه من المهم أن يكون الأشخاص على دراية بالأعراض التي قد تشير إلى حدوث مشكلة صحية بعد تلقي اللقاح، مثل:
– ألم خانق عاصر في الصدر
– صعوبة في التنفس
– تورم في الساقين
– صداع شديد مستمر
– شعور بالخدر والتنميل في الجانب الأيسر من الجسم يمتد من الرقبة الى الذراع اليسرى
إذا شعرت بأي من هذه الأعراض بعد تلقي اللقاح، يجب التوجه إلى الطبيب فورًا للحصول على التشخيص والعلاج المناسب.
الخلاصة: هل اللقاح هو السبب؟
في الختام، وعلى الرغم من بعض المخاوف الأولية حول ارتباط لقاح كورونا بحالات التجلط الدموي وصحة القلب، تظل الأدلة العلمية تشير إلى أن هذه الحالات نادرة للغاية، ولا تمثل خطرًا كبيرًا.
كما أنّ الفوائد الصحية للقاحات كوفيد-19، مثل تقليل الوفيات والحد من الأعراض الشديدة، تفوق بكثير المخاطر المرتبطة بهذه الآثار الجانبية النادرة. لذلك، من المهم أن يواصل الأفراد تلقي اللقاح وفقًا للإرشادات الصحية، مع مراقبة أنفسهم بعد تلقي جرعة اللقاح بحال وجود أي آثار جانبية. بالإضافة إلى متابعة التطورات البحثية لضمان صحة الأفراد على المدى الطويل.
تم نشر هذا المقال مسبقاً على القيادي. لمشاهدة المقال الأصلي، انقر هنا
-
المحتوى الذي تستمتع به هنا يمثل رأي المساهم وليس بالضرورة رأي الناشر. يحتفظ الناشر بالحق في عدم نشر المحتوى.
هل لديكم شغف للكتابة وتريدون نشر محتواكم على منصة نشر معروفة؟ اضغطوا هنا وسجلوا الآن!
انضموا إلينا على منصتنا، فهي تمنح كل الخبراء من كافة المجالات المتنوعة الفرصة لنشر محتواهم . سيتم نشر مقالاتكم حيث ستصل لملايين القراء المهتمين بهذا المحتوى وستكون مرتبطة بحساباتكم على وسائل التواصل الاجتماعي!
انضموا إلينا مجاناً!