هل تعرفون السبب وراء تسمية داء السكري بهذا الاسم؟
كلا، ليس لأنه ناجم عن تناول كميات كبيرة من السكر، بل في الحقيقة لأنه مرض حلو المذاق! قبل اختراع الأجهزة التي تقيس مستوى السكر في سوائل الجسم، كان الأطباء يتذوقونها بأنفسهم من أجل تشخيص المرض. عند ارتفاع السكر في الدم تجتهد الكلية في تخفيضه، تفعل ذلك عبر طرحه في البول، يحدث هذا عند زيادة معدل السكر في الدم عن 160 – 180 مغ/دل، مما يجعل طعم البول حلوًا. لأجل هذا سمّي هذا المرض بـ Diabetes Mellitus والتي تعني بالعربية "البيلة السكرية". دعونا الآن من التاريخ ولنتحدث عن أشياء أكثر أهمية..
في مقالنا اليوم سنتحدث عن ثلاث خمسات متعلقة بمرض السكري؛ خمس خرافات، وخمسة أخطاء، وخمس نصائح ثمينة..
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
خمس خرافات متعلقة بداء السكري:
1- تناول السكر يقود إلى الإصابة بداء السكري:
لربما نشأ هذا الاعتقاد الخاطئ بسبب التسمية التي نطلقها على هذا الداء. ينجم داء السكري بنمطه الأول عن عجز في إفراز الأنسولين داخل جسمنا، وكما نعرف يُفرز الأنسولين من البنكرياس (أو المعثكلة). يعد النمط الأول من السكري مرضًا مناعيًا ذاتيًا، حيث تهاجم خلايا المناعة في جسمنا البنكرياس المسكين وتقضي على قدرته في إفراز الأنسولين، وهذا كله لا علاقة له بتناول السكر. في داء السكري بنمطه الثاني تحدث مقاومة للأنسولين في الجسم، أي أن الخلايا ترفض الانصياع إلى أوامر الأنسولين بفتح بواباتها وإدخال السكر إليها، مما يؤدي إلى بقاء السكر في الدم وارتفاع تركيزه. ما يجب علينا معرفته هو أن تناول كميات كبيرة من السكر يعني الحصول على حريرات عالية، مما يقود للبدانة، والتي تعتبر بدورها أحد عوامل الخطورة للإصابة بالسكري النمط الثاني، وهذا ما يأخذنا للخرافة التالية.
2- كل البدناء سيصابون بالسكري:
البدانة كما قلنا لا تعني الإصابة الحتمية بالسكري، لكنها تعد عاملًا من عوامل الخطورة للإصابة بداء السكري من النمط الثاني. سأبسط لكم الآلية التي تتشكل فيها مقاومة الخلايا للأنسولين، والتي تقود للإصابة بالسكري في معادلة صغيرة:
تناول حريرات عالية -< ارتفاع سكر الدم -< إفراز كميات أنسولين كبيرة (من أجل تخفيض السكر) -< تتشكل المقاومة وتخفض الخلية استجابتها للأنسولين (مرحلة البداية لداء السكري بنمطه الثاني) -< يضطر البنكرياس لإفراز المزيد من الأنسولين -< ندخل في حلقة مفرغة تؤول في النهاية لإنهاك البنكرياس وفقدانه القدرة على إفراز الأنسولين (المرحلة المتقدمة).
3- السكري مرض بسيط، فالكثيرون مصابون به:
نعم، نسبة كبيرة من الناس مصابة بالسكري، لكن شيوع المرض لا يعني أنه ببساطة صداع في الرأس. علينا أن نأخذ داء السكري على محمل الجد ونولي غذائنا الصحي أهمية قصوى. تذكروا! آثار داء السكري تظهر على المدى الطويل، الطويل جدًا. لذا علينا أن نتخذ حذرنا بشكل مبكر، مبكر جدًا.
4- يتوجب على مرضى السكري تناول الأغذية المخصصة للسكري فحسب:
كلّا، هذه خرافة محضة، اختلقتها الشركات الصانعة لهذه المأكولات التي تدعي بأنها مخصصة لمرضى السكري. ليس هناك دليل علمي يدعم نظرية المأكولات المخصصة لمصابي السكري، فهذه المأكولات تسبب مثل غيرها ارتفاعًا في سكر الدم يتناسب مع مقدار الحريرات التي تحتويها. بل إن بعض الجمعيات المخصصة لداء السكري -كالجمعية البرطانية لداء السكري Diabetes UK -تنصح بتجنب هذه الأطعمة. خاصة دون استشارة طبية.
5- السكري مرض معدي:
قد لا تكون هذه خرافة منتشرة، إلا أنه يجدر بنا الإشارة إلى أن السكري مرض غير معدٍ، وغير موروث أيضًا. إن إصابة أحد الوالدين يعد عامل خطورة للإصابة بالمرض، ولا يعني الإصابة الحتمية.
خمسة أخطاء يقع فيها المصابون بالسكري:
1- سأتناول الدهون دون حذر، فهي ليست سكرًا:
هذا خطأ فادح، فأولاً؛ المسألة متعلقة بكمية الحريرات المتناولة بالدرجة الأولى، والدهون تحتوي أكثر من ضعف الحريرات الموجودة في السكريات (الكربوهيدرات) (1 جم دهون = 9 حريرات، 1 جم سكريات = 4 حريرات) وثانيًا؛ يعاني الكثير من المصابين بالسكري من المتلازمة الاستقلابية، وبالتالي فإن تناولهم للدهون الضارة يزيد من خطورة الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
المتلازمة الاستقلابية (بشكل عام) = اجتماع ثلاثة عوامل من التالية: سمنة + داء السكري + ارتفاع الضغط + ارتفاع شحوم الدم الثلاثية + انخفاض شحوم الدم المفيدة HDL.
2- إذا تناولت أدويتي، فيمكنني أن آكل ما يحلو لي:
خطأ، إن تناول أدويتك لا يعني أنك تملك حرية تناول الطعام الذي يخطر على بالك. الدواء للأسف ليس سحرًا شافيًا، وإنما يساعد جسدك في التغلب على المرض. لذا مدّ يد العون لجسدك إلى جانب دوائك وزوّده بطعام متوازن صحي.
3- لن أتناول الكربوهيدرات، وسأتناول البروتينات بدلًا عنها:
خطأ، الداء السكري يؤثر ببطء على الكلية على المدى البعيد، لذا يجدر بالمصاب تخفيف العبء على كليتيه قدر المستطاع. لن تكون الكلية سعيدة بتناول الكثير من البروتينات (الحيوانية منها خاصة) هذا لأنها العضو الرئيس المسؤول عن التخلص من نواتج استقلابها، أي بشكل أبسط؛ الكثير من البروتين =< الكثير من المجهود على الكلية =< إرهاق الكلية.
4- سأنتظر أن أعطش حتى أشرب الماء:
خطأ، لا يجب أن ننتظر العطش حتى نشرب الماء، إحساسنا بالعطش يعني أننا نعاني إما من التجفاف أو ارتفاع سكر الدم، وهذا في كلي الحالتين سيء. تساهم الكليتان بشكل رئيس في طرح السكر الفائض من الدم، لذا فإن شرب الماء بشكل دوري على مدار اليوم يساعد في تعديل مستويات السكر في الدم.
5- المهم أن آخذ الدواء، ولا يهم الموعد:
هذا خاطئ بشدة، فكثير من علاجات مرض السكري تعمل على خفض سكر الدم، مثل عقارات السلفونيل يوريا أو الأنسولين الصنعي، وإن أخذ الجرعة الدوائية في غير وقتها الصحيح قد يعرضك لانخفاض سكر الدم، وهي حالة شديدة الخطورة قد تنتهي بالغيبوبة أو الأذية الدماغية. لذا فمن المهم جدًا تنسيق جدول لمواعيد الجرعات بمساعدة طبيبك والالتزام بتعليماته بدقة. يجدر بنا هنا الإشارة إلى أن جرعات الأنسولين وأدوية السكر الفموية تختلف خلال شهر رمضان بحكم الصيام واختلاف مواعيد الوجبات، وعلى هذا ننصح بالاستعانة بطبيبك من أجل وضع جدول مواعيد جديد يتناسب مع عاداتك الغذائية في رمضان.
خمس نصائح ثمينة لمرضى السكري:
1- تعرف على المشعر السكري GI (Glycemic Index): تُصنف الأطعمة وفقًا لهذا المشعر حسب تأثيرها على مستويات سكر الدم، فالأطعمة التي تملك مشعرًا منخفضًا ترفع سكر الدم ببطء، وبالتالي فهي أفضل للجسم من تلك التي تحمل مشعرًا مرتفعًا فتسبب ارتفاعًا ذرويًا للسكر في الدم، مما يرهق البنكرياس.
2- قم بتحليل الخضاب (الهيموغلوبين) السكري بشكل دوري: يتكون الخضاب السكري – ويرمز له هكذا HbA1c- من اتحاد الخضاب بالسكر في الدم، وتعكس مستوياته متوسط قيمة السكر في الدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وبالتالي يمكنك من خلال هذا التحليل أن تعرف فعالية ضبطك لقيم السكري خلال الفترة الأخيرة. أجهزة قياس السكر المعتمدة على الوخز تعطيك معلومات لحظية عن مستوى السكر في الدم، أما الخضاب السكري فيمّدك بتصور شمولي عن متوسط قيمة السكر على مدى فترة من الزمن، ولهذا تعتبر قيمتة ذات أهمية طبية أكبر. هذا مثال بسيط؛ تعوّد السيد سين على قياس سكره كل يوم في الساعة السادسة مساءً، وكانت قيم السكر لديه ضمن الحدود الحدود الطبيعية على الدوام، عندما قام بتحليل الخضاب السكري أخبره الطبيب بأنه مرتفع! لم يدرك السيد سين أن ارتفاع السكر لديه كان يحصل خلال النوم. بعد أن قام الطبيب بتعديل النظام الدوائي تحسنت قيم الخضاب السكري في المقايسة التالية بعد ثلاثة أشهر.
3- تفحص نفسك! : السكري مرض صامت، تتسلل أعراضه خفية دون أن يشعر صاحبها، لذا إذا تم تشخيصك بالسكري منذ زمن فتأكد من تفحص قدميك على الدوام والاعتناء بصحتها، تفاديًا لمضاعفات اعتلال الأعصاب المتعدد الناجم عن اضطراب قيم السكر في الدم على المدى الطويل. ولا تستخف بأي ألم صدري أو شعور بالثقل في الصدر مهما كان شكله، ولا تتردد في اللجوء إلى المساعدة الطبية إذا حدث ذلك –لا سمح الله- فبحكم اعتلال الأعصاب قد لا يشعر مريض السكري بألم الاحتشاء القلبي، وهذا ما نسميه "الاحتشاء الصامت" أجارنا الله وإياكم منه.
4- الجأ إلى نصيحة المختص: كن على ثقة بأن الطبيب موجود لمساعدتك، واحذر الوصفات الشعبية التي لا أساس علمي لها. تناول الخل على معدة فارغة يؤذيها وقد يسبب لك القرحة الهضمية. تناول العسل يسبب ارتفاع سكر الدم، مثله مثل السكر. الزيزفون واليانسون النجمي وقشرة السمكة النفيخة لا تعالج السكري، بل قد تحتوي الكثير من مستحضرات العطارين على مواد مؤذية لأجهزة الجسم. لذا عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ كونوا على حذر!
5- اقرأ عن مرضك: ما تفعله الآن أيها المطّلع الحذق بقراءتك لهذا المقال هو خطوة إيجابية رائعة في التعرف على الداء السكري، ومن ثم اتخاذ تدابير الوقاية، أو التعامل معه بالطريقة الأنسب. وكما يقال؛ الانتصار في المعركة يبدأ بدراسة الأرض واستقراء خطة خصمك. السكري داء مزمن، يتطلب حنكة وحكمة وصبرًا في التعامل معه، وأنا واثق تمامًا بأنكم تمتلكون ما يكفي منها لهزيمته.
دمتم بصحة وعافية
د. عبادة الحمدان - خريج كلية الطب البشري في جامعة دمشق