لماذا نقضم أظافرنا؟
لماذا نقضم أظافرنا؟
- تاريخ النشر: الخميس، 11 مارس 2021 آخر تحديث: الأحد، 14 مارس 2021
وسائل الدفاع النفسية – الجزء الأول
ترفع يدك دون أن تشعر وتبدأ بقضم ظفرك أو الجلد حوله، ربما كنت تجلس على كرسي بانتظار الدخول إلى مقابلة عمل مهمة، أو لعلك تفكر في امتحان مادة صعبة في الغد، أو تنتظر أحد المسافرين الذي تأخر موعد وصوله وهاتفه مغلق. الرابط بين كل السيناريوهات السابقة أن كنت تشعر بالتوتر والضغط النفسي. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:
لماذا نلجأ -ولو بشكل غير واعٍ- إلى قضم أظافرنا عند إحساسنا بالتوتر؟
الجواب ببساطة، لأن هذا التصرف يخفف من الضغط النفسي الذي نعاني منه... بالطبع لم ينتهِ المقال هنا.. تابع معي حتى أخبرك كيف يؤثر قضم الأظافر على دماغنا...
في الواقع لا تقتصر المسألة على أظافرنا، بل تتعداها إلى العديد من العادات والممارسات والطباع، والتي تندرج بمجملها تحت عنوان "وسائل الدفاع النفسية" وهي أساليب طورها الدماغ لأجل التعامل مع الضغوط النفسية بشكل يحافظ فيه على التماسك الفكري والنفسي.
تصنف وسائل الدفاع النفسية بمجملها إلى:
- وسائل دفاع ناضجة: كالتسامي والفكاهة والإيثار...
- وسائل دفاع غير ناضجة: كالإسقاط والتبرير والانسحاب...
يندرج قضم الأظافر تحت ما يدعى بالــــ "نكوص" وهي إحدى وسائل الدفاع غير الناضجة.
النكوص يعني التقهقر أو العودة إلى الوراء (إلى مرحلة عمرية سابقة)، وهنا يدفعنا الدماغ لممارسة عادة طفولية بشكل غير واعٍ، لأن فعل هذه العادة ارتبط بالشعور بالراحة. فعلى سبيل المثال تطور قضم الأظافر من سلوك مصّ الإصبع في الطفولة. وحتى نفهم جيدًا كيف حدثت هذه العملية علينا أن نعود بالزمن إلى الوراء، إلى أيام كنا أطفالاً في المهد، ونراقب بتفصيل ممعن كيف تشكلت هذه الوسيلة الدفاعية بدءًا من منعكس طبيعي امتلكناه جميعنا حين كنا أطفالاً.
- منعكس الرضاعة: تبدأ القصة من منعكس الرضاعة، ويحدث هذا المنعكس التلقائي الغريزي (المسبق البرمجة في دماغنا) ما إن يشعر الطفل بثدي أمه يلامس شفتيه. إذا أردت مشاهدة هذا المنعكس قم بتقريب إصبعك أو حلمة رضّاعة من فم طفل صغير، سيبدأ عندها بالقيام بحركات مص الحليب بفمه. ولكن احرص على أن يكون إصبعك نظيفًا قبل ذلك :)
- الرابط الدماغي: المرحلة الثانية هي تشكل الرابط الدماغي اللاواعي، إذ بات تفعيل منعكس الرضاعة يلازم شعور الطفل بالراحة النفسية والأمان والدفء والسعادة الناجمة عن الشبع، كل ذلك قرب صدر الأم تزامنًا مع الرضاعة.
معلومة على الهامش: لا تتوقف فوائد الرضاعة الطبيعية على أثرها الآني على الطفل، بل تفوقه لتؤثر على المدى البعيد، فقد أثبتت الدراسات أن ملامسة الجلد للجلد والرضاعة المبكرة جدًا تؤثران إيجابيًا في مستويات هرمون الكورتيزول في جسم الطفل وتعودان عليه بفوائد جسدية وعاطفية[1] ، كما أشارت الأبحاث إلى أن الرضاعة الطبيعية تقلل من خطر الإصابة بمتلازمة موت الرضيع المفاجئ، وتخفض احتمال الإصابة بالحساسية والربو والسمنة ومرض السكري من النمط الثاني على المدى الطويل، كما تساعد أيضًا في تحسين النمو المعرفي للرضيع.
- الإصبع بدل الثدي: الآن وقد ارتبطت الرضاعة بالراحة والأمان، ومع نمو الطفل وابتعاده عن ثدي أمه يبدأ بالتعود على رضاعة إصبعه (الإبهام في الغالب)، لأن ذلك يشعره بالراحة الملازمة لحركة المص والرضاعة.
- من المص إلى القضم: يمر الزمن ويكبر الطفل أكثر وتنمو أسنانه، وتصبح عادة رضاعة الإصبع غير ملائمة بفعل التعارض الحاصل بين وجود الأسنان ومص الإصبع. كما أن منعكس الرضاعة الغريزي يخفت تدريجيًا ليختفي تمامًا في عمر السنتين. وبرغم زوال منعكس الرضاعة إلا أن الرابط الدماغي ما زال موجودًا، ومع نمو أسنان جديدة وتزايد شهوة العض وحكّ اللثة لدى الطفل يتحول المصّ إلى القضم، وتبدأ بوادر تحول وسيلة الدفاع النفسية إلى شكلها النهائي. فيلجأ الطفل بعد ذلك إلى قضم أظافره عند تعرضه للتوتر.
- الوعي بالمجتمع: يكبر عالم الطفل مع ازدياد عمره فيدرك أنه جزء من المجتمع ويعي تدريجيًا تأثير تصرفاته على من حوله. مرة تلو أخرى تختفي عادة قضم الأظافر مع إدراك العادات المقبولة اجتماعيًا من الأخرى المستهجنة -وقضم الأظافر مستهجن بلا شك.
- النكوص: يغدو الطفل شابًا، والشاب رجلاً، إلا أنه عند التوتر وتحت الضغط يبحث الدماغ عما يشعره بالراحة، ليجد مخرج الطوارئ في النكوص والعودة إلى سلوك قديم ارتبط تنفيذه بالشعور بالأمان النفسي، فيدفع المرء ليشرع بقضم أظافره ناكصًا نحو سنوات عمره الأولى، دون أن يتعمد فعل ذلك.
ختامًا عزيزي القارئ الحذق، إن كنت ممن يجدون أصابعهم بالقرب من أسنانهم عند التوتر، فلا داعي للقلق، الآن وقد بِتّ تفهم برمجة دماغك أكثر، أصبح باستطاعتك أن تحتال عليه حتى تكسر الرابط الذي تشكل في الطفولة بين الأمان والإصبع، جرب مثلاً أن تضع معقمًا مُرّ الطعم على أصابعك.. المهم في نهاية الأمر أن تنجح في الامتحان.. أن تحصل على الوظيفة.. وأن يصل أحبابك المنتظرون بالسلامة.
وهذا جلُّ ما أتمناه لكم جميعًا|
دمتم تواقين للمعرفة
د. عبادة الحمدان
جراح وروائي