تناول الطعام بألوان قوس قزح: نظام صحي متكامل

لماذا التبولة كنز من الفوائد الصحية؟

كيف يقينا معجون الطماطم من السرطان؟

وكيف كانت جداتنا خبيرات تغذية بالفطرة؟

ولماذا يتشح الثوم باللون الأزرق بعد قضاء يوم في البرّاد؟

 

كل هذه وأسئلة أخرى سنجيب عليها في مقالنا هذا. دعونا نبدأ باستعراض الأطعمة بألوانها ونكتشف ما سر كل لون من هذه الألوان، واسمحوا لي أن أبدأ بأحد أكثر الألوان التي أحبها:

? اللون البرتقالي: صحيح أن هذا اللون استمد اسمه من البرتقال إلا أن الكيمياء لديها قصة أخرى، فالمادة التي تعطي الأغذية لونها البرتقالي تدعى البيتا-جزرين beta-Carotene، أي أنها اشتقت اسمها من الجزر. يتواجد الجزرين في البرتقال، لكن بنسبة ضئيلة، بالمقابل فهو يتركز في الجزر واليقطين (القرع) والشمام بنسبة أعلى، بشكل يتناسب مع تركيز اللون البرتقالي فيها. يصنف البيتا-جزرين من العوامل المضادة للأكسدة، كما يعد الطليعة التي يتكون منها الفيتامين A، المهم لتمييز الألوان وحدة البصر، ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة “الجزر يقوي النظر”.

? تنبيه هام! على الحوامل تفادي تناول كميات كبيرة من الجزر، فزيادة فيتامين A في الدم يعتبر سامًا للجنين، وقد يؤدي إلى تشوهات. إضافة للجزر لا بد أن نذكر الكبد والقلب والطحال والكلاوي، والتي تعرف أيضًا باسم “السودة” سواء كانت من الدجاج أو البقر أو الغنم، فهي تحتوي أيضًا نسبة عالية من فيتامين A . 

? اللون الأحمر: مثل الموجود في الطماطم والبطيخ والفلفل الأحمر والجريب فروت. وما يهمنا أن يكون لب الفاكهة أو الخضار ذا لون أحمر، لا قشرته فحسب، فالتفاح أو الكرز ليسا ضمن هذه القائمة. تكتسب الأغذية لونها الأحمر بفعل مادة الليكوبين Lycopene. قد لا تتخيلون قدر الفوائد الكامنة في هذه المادة الرائعة؛ إنها إحدى أقوى المواد المضادة للأكسدة، هذا يعني أنها تعاكس أثر الجذور الحرة المؤذية للخلايا، وبالتالي يعد الليكوبين أحد عوامل الوقاية من السرطان، ومن تصلب الشرايين والجلطات القلبية، كما أنه يقي الجلد من الأشعة فوق البنفسجية ويحافظ على نضارة البشرة عبر تقوية الكولاجين. ويجدر أن أشير إلى أن معجون الطماطم – الذي لا يخلو مطبخك منه سيدتي – يحتوي على تركيز عالٍ من الليكوبين، ولا مانع أن تتناولي ملعقة منه خلال الطبخ، أو أن تلفيه في سندويتش صغير مع زيت الزيتون والقليل من الحبة السوداء، يا لها من حفنة متكاملة من الفوائد!

أتذكر أني رأيت الليكوبين تحت المجهر في أولى الجلسات العملية لي في علم الحياة خلال دراستي للطب في جامعة دمشق، هكذا بدا الليكوبين تحت عدسة المجهر:

? اللون الأصفر: حين نفكر بهذا اللون فأول ما يخطر ببالنا هو الليمون، وعندما نذكر الليمون يخطر لنا مباشرة فيتامين C. حسنًا.. في الحقيقة يحمل الفيتامين C (حمض الأسكوربيك) لونًا أصفر باهتًا، لكنه ليس ما يعطي الليمون لونه، وإنما مادة الفلافونيد، التي تعتبر من مضادات الأكسدة أيضًا، فإن كنت من محبي تناول قشرة الليمون فهنيئًا لك بفائدة مضاعفة. أنصحك بتناولها مع سمك التونة، فبدلًا من الاكتفاء بعصر الليمون فوق التونة قومي عزيزتي بتشريح الليمون لشرحات رفيعة وتقديمها مع الطبق، ولا مانع من إضافة شيء من البقدونس أو الشبت، أؤكد لها أنها لذيذة حقًا.أما إن كنت من عشاق الليموناضة مثلي فستحظين بجلد أنضر ولثة ومفاصل أقوى، هذا لأن الفيتامين C يتواجد بكميات كبيرة في الحمضيات بأنواعها، وهو يساهم في تركيب الكولاجين في الجسم.

? اللون الأخضر: تحصل الخضراوات على لونها الأخضر من احتوائها على الكلوروفيل، والذي يعد وسيلتها في صنع الغذاء لنفسها، إلا أن ما يهمنا هو فيتامين K، إذ كلما ازداد اخضرار النبات كان هذا دليلًا على احتوائه كميات أكبر من فيتامين K. يلعب هذا الفيتامين دورًا رئيسًا في عملية تخثر الدم وتكوين العظام ومتانة الألياف الرئوية، ويتواجد بكثرة في البروكولي والسبانخ والكرنب والبقدونس وكل الورقيات الخضراء الأخرى تقريبًا.

* لاحظت إحدى الدراسات مؤخرًا تزامن نقص فيتامين K مع زيادة خطر تدهور حالة المصاب بفيروس كوفيد 19 

ولمحبي المعلومات الناعمة، فإن الفيتامين K حصل على اسمه من كلمة Koagulation والتي تعني التخثر بالألمانية، وهذا لدوره المهم في عملية التخثر. 

? انتبهوا! على من يتناول مميعات الدم أن يتفادى الإكثار من الخضار الخضراء لما تحتوي من فيتامين K الذي يعزز عملية التخثر ويعاكس الفعل الدوائي المطلوب.

 

 

ما رأيكم بطبق من التبولة اليوم؟ كم من الفوائد يمكن لها أن تحتوي؟ الليكوبين من الطماطم، وفيتامين C من الليمون، زيت الزيتون بدهونه المفيدة، والبقدونس الرائع لحصة من الألياف وفيتامين K . أليست كنزًا من الفوائد الصحية!

? اللون البنفسجي: يعود اللون البنفسجي الموجود في التوت البري والملفوف البنفسجي إلى مادة الأنثوسيان، وهي تتمتع بخواص مضادة للأكسدة أقوى من مثيلاتها في فيتامين C و E، أظهرت الدراسات في المختبر in vitro ذلك بوضوح، لكن تلك القدرة العالية المضادة للأكسدة داخل جسم الإنسان in vivo ما زالت محط الدراسة. رغم ذلك فهي تظل مفيدة على مستوى جدران الأوعية الدموية وتخفيف الالتهاب. 

إن كأسًا من عصير التوت الشامي مكافأة صحية بديعة بعد يوم صيام طويل. فقط خذ حذرك إذا كنت تعاني من انخفاض الضغط الشرياني، فالتوت الشامي يؤدي إلى توسيع الأوعية وبالتالي تخفيض الضغط بشكل إضافي.

 اللون الأزرق: ربما لا يمتلك الثوم مادة تعطيه لونًا أزرق، لكن هذا العنصر الأصيل الملازم لمطبخنا الشرقي بامتياز يحتوي على مادة أخرى تعطيه تلك الرائحة المميزة؛ مادة الكبريتات، التي تشكل مركبات مضادة للجراثيم والفطور والفيروسات وتعد من المضادات الحيوية الطبيعية.

 

هل حضرتم يومًا طبقًا من المقالي وإلى جانبه الثوم المدقوق.. ثم في اليوم التالي تفاجأتم بأن الثوم تحول إلى اللون الأزرق؟

السر هنا يكمن في احتواء الثوم على مادة الكبريتات، والتي تتحرر من الخلايا عند دق الثوم لترتبط بمادة النحاس معطية مركب كبريتات النحاس أزرق اللون، وهو غير ضار بالمناسبة، ولا مانع من تناوله.

 

ختامًا.. تدعي الأسطورة أنك إن سرت إلى نهاية قوس قزح فستجد كنزاً.. أنا لن أتعبكم بالسير طويلًا.. فلديكم ما يكفي في مطبخكم لتصنعوا أجمل قوس قزح مليء بالفوائد الغذائية الجمة..

 

دمتم أغنياء بالعافية.. وطبعًا تواقين لمزيد من المعرفة الشافية

قوس قزح بالهناء والشفاء

 

د. عبادة الحمدان

طبيب جراح وروائي