التقزم النفسي الاجتماعي:هل يعتمد نمو الطفل على حب والديه له؟
التقزم النفسي الاجتماعي (PSS): هو اضطراب يتسبب بقصر القامة أو فشل النمو (تأخر البلوغ) في مرحلة الطفولة والمراهقة. يحدث بسبب الحرمان العاطفي أو الإهمال الشديد الذي يتعرض له الطفل في صغره. بسبب تعامل والديه معه أو أياً كانت البيئة النفسية الاجتماعية المرضيّة التي يعيش فيها. هذا الأمر يخلق حالة توتر وعلاقة مضطربة بين الطفل ومقدم الرعاية.
من الأمثلة اللطيفة التي يتم ذكرها مع ذكر هذا الاضطراب هو “هاري بوتر”، ساحر طفولتنا التلفزيوني. بنظرة بسيطة على نشأته في بداية سلسلة الأفلام نجد أنه يعيش مع أقربائه لا مع أهله، وغرفته هي مساحة صغيرة أسفل الدرج. لنبدأ بالتفكير حول الطريقة التي يُعامَل به من قبل أقربائه ودورها في جسم هاري بوتر الصغير، ونموه البطيء الملاحظ جداً بالنسبة لعمره. لكن يبدأ نمو هاري بوتر الحقيقي عند دخوله مدرسته الجديدة، ويشكّل علاقات صداقة حقيقية، ويعيش راحة واهتمام لم يعشه عند أقربائه. مثال لطيف أليس كذلك؟
الأسباب
تعزى أسباب اضطراب النمو إلى البيئة المليئة بالتوتر والإهمال التي يعيشها الطفل. هذه البيئة تجعله في حالة مستمرة من “الاستعداد للمواجهة أو للهروب”. يستجيب جسده لذلك بإفراز هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين من الغدة الكظرية. هذه الهرمونات توسع أوعية العضلات، وتزيد ضغط العمل على القلب والرئة. وهذا كله يعيق العمليات الأخرى المهمة للنمو في الجسم كالهضم. التي لا يعتبرها جسدنا عملية رئيسية في حالة التوتر والتأهب.
لكن استمرار هذه الحالة النفسية والجسدية عند الطفل على المدى الطويل تسبب إطلاق الغدة الكظرية لهرمون آخر هو الكورتيزول. أثبتت التجارب أن الفئران المحرومة من أمهاتها لديها مستويات كورتيزول أعلى من الفئران الغير محرومة. يعيق الكورتيزول إفراز هرمون النمو من الغدة النخامية في الدماغ. هذا الهرمون النخامي هو المسؤول عن زيادة الطول وتعدّن العظام عند الأطفال خلال أعوام نموهم. من المثير للاهتمام أن الأطفال المصابين بمتلازمة كوشينغ (فرط إفراز هرمون الكورتيزول) يمتلكون أجساماً صغيرة وقصيرة وعظام ضعيفة مقارنة بأقرانهم الأصحاء. مما يبرهن العلاقة العكسية بين هرمون الكورتيزول وهرمون النمو.
الأنواع
الأنواع الفرعية الثلاثة هي:
1-النوع الأول: يبدأ ظهوره في الطفولة. عادة ما يكون الفشل في النمو موجوداً، ولكن لا يُلاحظ سلوكيات غريبة. المرضى غالباً ما يكونون مكتئبين. يتم العثور على إفراز هرمون النمو الطبيعي، لكن الاستجابة لهرمون النمو غير معروفة. لا يوجد تاريخ لرفض الوالدين في هذا النوع.
2-النوع الثاني: يبدأ ظهوره في عمر 3 سنوات أو أكثر. بعض هؤلاء المرضى يعانون من الفشل في النمو. غالباً ما تُلاحظ السلوكيات الغريبة، والمرضى يكونون غالباً مكتئبين. يتم العثور على انخفاض أو غياب إفراز هرمون النمو مع استجابة قليلة له. يوجد تاريخ لرفض الوالدين أو الأمراض النفسية.
3-النوع الثالث: يبدأ ظهوره في الطفولة، أو في عمر أكبر. لا يكون الفشل في النمو عادة موجوداً، ولا تُلاحظ السلوكيات الغريبة. إفراز هرمون النمو طبيعي؛ والاستجابة لهرمون النمو كبيرة. لا يوجد تاريخ لرفض الوالدين في هذا النوع (النوع الثالث اضطراب نفسي اجتماعي، لكن لا تظهر آثاره على نمو الطفل).
الأعراض والتشخيص
نعتمد في تشخيصنا بشكل أساسي على قياس طول ووزن الطفل، ونموه العقلي والعاطفي والحركي بشكل عام عن طريق اختبارات معينة. ثم نقارن نمو هذا الطفل مع المقاييس المعيارية لنمو الأطفال بعمره.
إذا أثبتنا وجود حالة ضعف نمو، فعلينا أولاً التوجه لنفي أي أسباب عضوية أخرى قد تسبب هذه الحالة (سوء التغذية، فقر الدم، إلخ..)
إذا تم نفي الأسباب العضوية فنحن أمام حالة تقزم نفسي اجتماعياً (PSS). ويتوجب علينا بدء البحث ضمن بيئة الطفل، ومنزله وطريقة التعامل معه من قبل والديه أو أياً كان مقدم الرعاية.
أما الأعراض، التي تظهر عادة بعد سن الثانية، وتستمر حتى سنوات المراهقة المبكرة، فهي تتلخص بالآتي:
• قصر القامة.
• عدم نضج العمر الهيكلي
• الوزن غير المناسب لطول الطفل
• تأخر النمو الحركي والعقلي
• عادات الأكل والشرب غير الطبيعية
• التبول اللاإرادي والبراز اللاإرادي
• العدوانية وهيكل الأسرة المرضي
العلاج
أثبتت غالبية التجارب أن إزالة الطفل المعرّض لهذا الاضطراب من البيئة الغير آمنة التي يعيش فيها، ونقله إلى بيئة داعمة مليئة بالحب والاهتمام والراحة سيساعده على متابعة نموه بشكل أفضل، بل حتى أن يعوّض ما فاته من نمو في السنين السابقة. فأبرز ما نلاحظه في الطفل:
– إظهار النمو التعوضي
– تحسّن في السلوكيات
– تلاشي الاضطرابات الهرمونية
– استقرار في الصحة النفسية
خلاصة
قد لا ينتبه الكثير من الأهل (والأمهات تحديداً) أن طفلهم يستشعر عواطف والديه تجاهه، وتصرفاتهم واهتمامهم وحبهم المقدم له. فيقع الطفل ضحية بيئة عائلية غير آمنة تمنعه من النمو الجسدي والنفسي بشكل صحي وسليم. وبالرغم من أن إزالة الطفل من بيئته المرضية ونقله إلى بيئة صحية تساهم بشكل واضح في علاج وإصلاح المشكلة، إلا أن الأبحاث أكّدت أن التأخر في اكتشاف المشكلة وإدراكها سوف يعطي نتائج غير قابلة للإصلاح أو التغيير. فعند المراهقين الذين تم تشخيصهم بشكل متأخر لوحظ عليهم قلة تطور معرفي وحركي. ويُتوقَع أنهم لن يكونوا صالحين لتربية أبنائهم بطريقة سليمة وصحيحة؛ لأنهم لم يتلقوا تلك التربية الصحّية أساساً.
-
المحتوى الذي تستمتع به هنا يمثل رأي المساهم وليس بالضرورة رأي الناشر. يحتفظ الناشر بالحق في عدم نشر المحتوى.
هل لديكم شغف للكتابة وتريدون نشر محتواكم على منصة نشر معروفة؟ اضغطوا هنا وسجلوا الآن!
انضموا إلينا على منصتنا، فهي تمنح كل الخبراء من كافة المجالات المتنوعة الفرصة لنشر محتواهم . سيتم نشر مقالاتكم حيث ستصل لملايين القراء المهتمين بهذا المحتوى وستكون مرتبطة بحساباتكم على وسائل التواصل الاجتماعي!
انضموا إلينا مجاناً!